قالت الخبيرة الاقتصادية نتالي انطوان الريس:
يخلط بعض السياسيّين والمتابعين للازمة في لبنان، لا سيما الجانب الاقتصادي منها، بين الخصخصة وموجودات الدولة. الخصخصة لا تعني إباحة بيع الدولة لقطاعاتها المنتجة، لانها بذلك تكون كمن يبيع ثوبه ويصبح عاريّاً معرّى من أي شيء. أملاك الدولة العامة ومصالحها، هي ملك للشعب ولا يجوز التصرف بها وبيعها الى القطاع الخاص. ولكن التطوّرات أظهرت أن الدولة بما تحفل به من فساد ومحسوبيّة وتوظيف عشوائي، وعدم الاهتمام بالكفايات العليا، وايلائها ما تستحق، فاشلة وغير قادرة على النهوض بقطاعاتها الانتاجيّة العامة. وأرى أن أحد الحلول المنطقية المطروحة، هو تلزيم إدارة هذه القطاعات الى القطاع الخاص، او اللجؤ الى شراكة بين اقطاعين العام والخاص من خلال شركات تكون فيها السيادة للدولة (أكثرية الأسهم ضمانا لبقاء موجوداتها)، على أن يكون عملها مستقّلاّ.
وقد نجحت هذه التجربة في العديد من البلدان بالعالم منها اليابان التي خصخصت صناعة الملح والتبغ (1984)، والهاتف وسكك الحديد (1986)، والمملكة المتحدة التي خصخصت شركة (BP) في العام (1997) ، والمرافئ، شركة الخطوط الجويّة البريطانية وصناعة سيارات الجاكوار في العام (1987).
وفي رأيي أن الخصخصة تحّد من البيروقراطّية، وتختصر الكثير من الهدر والنفقات غير المجدية، وتفتح الباب أمام المواهب، من خلال نظام مرن يقوم على إختيار الكفاءات العلميّة، ما يزيد من حجم الإنتاجيّة.
وأقترح، لكي ينطلق لبنان في المرحلة المقبلة ويستعيد ما فقده ماليّاً، وإقتصاديّاً، واسترجاع الثقة بعدما بلغت الحضيض بسبب الفشل الذريع في إدارة مؤسساته وقطاعاته، والحّد من الفساد واقتلاع الفاسدين، اللجؤ الى خصخصة القطاعات الآتيّة:
أ - المرافئ على إمتداد الساحل اللبناني.
ب - الكهرباء.
ج - إدارة شركات المياه.
د - إستكمال خصخصة قطاع الاتصالات.
هـ - استعادة الاملاك الاميرية المملوكة من الدولة والمؤجرة ببدلات هزيلة، وإعادة هيكلة استثمارها.
و - استعادة الاملاك البحرية والنهرية، وفي حال الاستحالة فرض غرامات استثنائية سنويّة على مستغليها.
ز - إعادة إحياء خطوط النقل العام من خلال شبكة نقل بريّة وبحريّة تلزّم إلى شركات خاصة، وتأهيل سكك الحديد وإعادة تسييّر القطار بين المناطق اللبنانية، ولبنان وسوريا وصولاً الى سائر الدول العربية المحيطة.
إن هذه الاجراءات لا تكلّف الخزينة اللبنانية كثيراً، بل على العكس من ذلك، فإنها تحقق وفراً كبيراً، وتوقف مزاريب الهدر. لكن ذلك ينبغي أن يكون مقيّداً بضوابط قانونية ابرزها:
1- أن يكون تلزيم القطاع الخاص عبر مناقصات دولية ودفتر شروط صارم وشفاف، يلحظ الرقابة على هذا القطاع.
2- أن تكون إدارة القطاعات التي سيشملها التخصيص مستقلة رغم أنها تضّم ممثلين عن القطاعين العام والخاص.
3- أن يعاد النظر في العقود التشغيلية بالتوازي مع التطوّر وحجم الانتاجية، ونتائج العمل ومردوده.
ان الخصخصة ليست الحلّ لكل أمراض لبنان، لكنها قد تكون المدخل الصحيح، لإعادة بناء ما تهدم بفعل الإرتجال والاهمال والفساد.